المفهوم القانوني للتغيب غير المشروع عن العمل
محاربة التغيب غير المشروع عن العمل بالوظيفة العمومية: بين المقترب الزجري و المقترب التدبيري
يعلن التشريع المغربي، كغيره من تشريعات الوظيفة العمومية في العديد من الدول، من أي تعريف واضح للتغيب غير المشروع عن العمل، و رغم آثاره القانونية المادية في الموظف/ة و الإدارة و المرتفق معا، باستثناء ما يستفاد ضمنا من بعض المقتضيات المتفرقة من الظهير الشريف1.15.008 بتاريخ فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية ، التي تحدد الشروط القانونية اللازمة للاستفادة من رخص التغيب عن العمل ، كالرخص الإدارية، و رخص المرض ووضعية الاستيداع ، و غيرها من حالات التغيب المرخص به، وذلك بما يفيد أن كل ما يخرج من دائرة التغيب المرخص، و التغيب المقرر في أيام العطل و الأعياد المحددة بموجب نصوص خاصة، يدخل في خانة التغيب غير المشروع عن العمل.
و تقتضي مقتضيات الفصل 75 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أهمية خاصة، لكونه ينظم بنوع من التفصيل ، شروط تحريك مسطرة ترك الوظيفة، و يربط تفعيلها بحالة انقطاع الموظف/ة بشكل متعمد عن العمل، لكن دون ان يحدد بشكل دقيق، معنى الانقطاع عن العمل اللازمة للشروع في تحريكها. وقد حاول المشرع المغربي تدارك الأمر، و ولو بشكل غير مباشر من خلال مقتضيات القانون رقم 12.81 المتعلق بالاقتطاع من أجور موظفي الدولة و الجماعات الترابية و أعوانها، المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، وصدور المرسوم التطبيقي لمقتضياته كما سنرى ذلك لاحقا.
و أمام هذا الفراغ القانوني، شاع لدى الرأي العام و وسائل الإعلام استعمال ''عبارة الموظفون الأشباح'' كتعبير مجازي، و المقصود إليه الموظفون الذين بتعمدون التغيب المتكرر أو المستمر عن مقرات عملهم، دون اي ترخيص او مبرر مقبول مع استمرارهم في تقاضي أجورهم، و الاستفادة من باقي الحقوق المقررة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية و نصوصه التطبيقية.
أسباب التغيب عن العمل:
يعتبر التغيب غير المشروع عن العمل من الناحية القانونية اخلال بأول و اهم واجب مهني للموظف في القيام بمهام الوظيفة الموكولة إليه، و مساسا بمبدأ استرارية المرفق العمومي و حسن تسييره، و يعد من الناحية السوسيولوجية و التدبيرية ظاهرة مركبة و معقدة تغذيها أسباب و عوامل متعددة و متشعبة .
إكراهات العمل و ظروفه:
يبرز في هذا الصدد ، تدهور المحيط المهني للعمل لدى عدة فئات من الموظفين التي تشتغل في ظروف قاسية بمناطق تفتقر للشروط الأساس لحياة اجتماعية سليمة، كعامل من عوامل تغذية سلوك التغيب عن العمل، و يتجلى بالخصوص في عدة مظاهر من اهمها:
- عدم توفر شروط العمل الملائمة، و كذا ظروفه و وسائله، في العديد من المصالح الخارخية كالمراكز الصحية و الحجرات الدراسية.
- محدودية المرافق الضرورية لحياة اجتماعية مقبولة في عدة مناطق، لاسيما منها المناطق النائية ، و ما يرتبط بها من مشاكل في مجالي السكن و التنقل، بسبب وعورة التضاريس و المسالك و قساوة المناخ.
- طبيعة بعض المهام و صعوبتها، و كذا ضروف ممارستها التي تتسبب أحيانا في حوادث و امراض بدنية و نفسية، تؤدي إلى حالات تغيب متقطعة او طويلة الأمد، دون أن تقع تحت طائلة المساءلة القاونية من وجهة نظر القاضي الإداري، الذي كثيرا ما ألغى قرارات العزل، المتخذة بسبب ترك الوظيفة المترتبة عن إصابة الموظف باختلالات عقلية و نفسية لديه، باعتبارها حالات يغيب عنها عنصر الإرادة.
- غياب أي تتبع او مواكبة من قبل الإدارة، للحالات الاجتماعية أو المرضية الصعبة التي قد يمر منها الموظف، رغم ارتباطها في عدة احيان بظروف العمل و شروطه.
و قد سلك المشرع المغربي في مواجهة هذه الصعوبات، مقاربة قانونية و زجرية صرفة للحد من تفشي ظاهر التغيب عن العمل بشقيه المشروع و غير المشروع.
مسطرة الاقتطاع من الأجرة:
تشكل الوعي الرسمي بثقل ظاهرة التغيب غير المشروع عن العمل على الإدارة العمومية، ابتداء من ثمانينيات القرن الماضي، عبر إنجاز أول قانون يزجر بشكل واضح و صريح، سلوكيات عدم احترام مواقيت العمل بالإدارات العمومية و الجماعات الترابية . و يتعلق الأمر بالقانون رقم 12.81 بشان الاقتطاعات من رواتب الموظفين و أعوان الدولة و الجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.83.230 بتاريخ 05 أكتوبر 1987.
ويلاحظ ان مقتضيات هذا القانون ، ذي الطابع المحاسبي انصبت حصرا على عناصر الأجرة عملا بالقاعدة المحاسبية '' الأجرة مقابل العمل'' حيث نصت مقتضيات الفصل الفريد من هذا القانون على أن شروطه و كيفية تطبيق مقتضياته، سيتم تحديدها بموجب المرسوم الذي لم يصدر إلا في سنة 2000 ، وتم إعداد هذا المرسوم و إصداره بشكل متزامن مع المرسوم رقم 2.99.1219 المتعلق بالرخص لأسباب صحية و رخصة الولادة سعيا لضبط رخص المرض التي تمثل بدورها مظهرا آخر من مظاهر التغيب و هدر الزمن الإداري نتيجة تراكم الشهادات الطبية على مصالح الإدارات التي يتعذر عليها، لأسباب قانونية و لوجيستيكية و مسطرية، القيام بالمراقبة الإدراية و الطبية في الوقت المناسب قصد التأكد من الحالات الصحية الفعلية للموظفين/ات المعنيين
و قد نظم المرسوم رقم 2.99.1216 بتاريخ 10 مايو 2000 مسطرة الاقتطاع من أجور الموظفين المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة ، و حدد نسبة الاقتطاع عن يوم كامل او نصف يوم عن كل تغيب غير مبرر، بحيث يباشر الاقتطاع من الأجرة على التوالي على أساس 1/30 أو 1/60 من مجموع الأجرة الشهرية باستثناء التعويضات العائلية، و ذلك بعد توجيه استفسار كتابي للمعني بالأمر حول أسباب تغيبه.
إقرأ أيضا: دليل التغيبات و الانقطاعات عن العمل